أين يذهب السعوديون في فضاء الإنترنت؟‎

أين يذهب السعوديون في فضاء الإنترنت؟
مرت قبل أيام قليلة الذكرى الـ40 لمولد معجزة العصر الحديث، أو ما يمكن أن يُطلق عليه "أيقونة العصر"، هذا الابتكار البشري العظيم الذي استطاع أن يُغير كل مفاصل المشهد الحضاري الإنساني بشكل غير مسبوق فاق كل حلقات مسلسل التطور والتقدم والتحضر البشري منذ قرون طويلة، كما أسهم أيضاً بدفع عجلة التنمية الشاملة على كافة الصعد والمستويات. لقد حدثت قفزات واسعة جداً في كل الميادين لاسيما العلمية والثقافية والاقتصادية نتيجة ظهور هذا "المحرك العظيم" للطاقة الإنسانية الكامنة خلف مسيرة طويلة وحافلة بالعمل والجهد والاختراع والاكتشاف أثمرت في نهاية المطاف - رغم أن لا نهايات للعلم والتقدم والطموحات - عن هذا الاكتشاف الاستثنائي الذي غير المفهوم السائد والنمطي لوسائل الاتصال العالمي.

الإنترنت هذه المفردة الرائعة التي استطاعت أن تغزو العقول والقلوب قبل أن تُسيطر على كل وسائل الاتصال والمعرفة والإعلام والتكنولوجيا بأنواعها المختلفة وبمستوياتها المتعددة.

لم نلتفت كعادتنا لتذكر كل الأشياء التي تستحق أن تبقى في الذاكرة لبلوغ هذا الأثير إلى قلوبنا، والمُقيم الدائم الذي لا يُفارقنا صباح مساء عامه الـ40، بل إن مثل هذه "الترهات" لا تعنينا في شيء، فنحن لا نهتم حتى بتذكر مناسباتنا الخاصة كيوم ميلاد أطفالنا وتاريخ زواجنا وذكرياتنا الجميلة التي نسجت تفاصيل حياتنا وحياة من هم حولنا، لا نهتم بذلك أبداً، إما بسبب غياب مثل هذه اللمسات الحضارية عن ثقافتنا وذائقتنا، أو بسبب طغيان فوبيا الحلال والحرام التي تكاد تُضيّق الخناق على كل سكناتنا قبل حركاتنا.

من كان يظن بأن مجرد فكرة بسيطة وسرية حيكت في إحدى الغرف المغلقة لوزارة الدفاع الأمريكية في أواخر عام 1969 ستغير وجه الكون في أقل من عقدين من الزمن. كانت البداية عبارة عن إنشاء شبكة معلومات كبيرة وشاملة بين وزارة الدفاع الأمريكية وعدد من الجامعات والشركات الأمريكية، وسميت هذه الشبكة في بداية الأمر «ARPA» اختصاراً للكلمة الانجليزية «Research Project Administration The Advanced»، وكان الهدف من هذا المشروع هو تطوير تقنية حماية نظام الحاسب الآلي أمام أي هجوم تقني أو عسكري، ولكن الأمر بدأ يخرج عن السيطرة والاحتكار ولم يقتصر استخدام هذه الشبكة على القوات المسلحة الأمريكية فحسب، بل ترك المجال أيضاً لبعض الجامعات والشركات الأمريكية المرتبطة بعقود تمويل وشراكة بحثية مع وزارة الدفاع الأمريكية، لدرجة أن الشبكة لم تعد تتحمل الكثافة والازدحام الكبير الذي فاق كل طاقتها وتحتم إنشاء شبكة جديدة في عام 1983 سميت «MILNET» لتخدم المواقع العسكرية فقط، بينما أصبحت شبكة «ARPA» تتولى الاتصالات غير العسكرية مع بقائها موصولة بشبكة الاتصالات العسكرية الأمريكية، واصطلح على تسميتها فيما بعد بروتوكولياً «إنترنت». تلك هي قصة ذلك الإنجاز البشري العظيم الذي يُمكن اعتباره الأهم والأكبر في مسيرة الإنسان المتحضر نحو الوصول إلى عوالم العلم والمعرفة، ومراتب الإنجاز والكمال.

انتظر العرب - كما هي عادتهم الأثيرة - أكثر من عقدين من الزمن للتعرف على هذا العالم الكبير والفضاء الواسع، إما متوجسين خيفة من هذا المارد القادم من بلاد الكفر والانحلال، أو أن الأمر خاضع لجدولة طابور "الأولويات" التي تنتظر دورها، لأننا أمة تعي تماماً نظرية "تزاحم المهم والأهم"، وأغلب الظن أن الإنترنت لم يكن ليصل لدرجة المهم، فضلاً عن الأهم في ذلك الوقت الذي انشغلت فيه معظم الدول العربية ومازالت بمشاكلها الداخلية التي لا نهاية لها، أو بحروب عبثية لا نصر فيها.

يُحسب لتونس بأنها الدولة العربية الأولى التي ارتبطت بالإنترنت وذلك عام 1991، ولحقتها تباعاً كل الدول العربية، ولست أدري إذا كان يُحسب للسعودية أيضاً كونها من آخر المنضمين العرب لهذه الشبكة العنكبوتية في عام 1999!

وطبقاً لمنظمة «Internet World Stats» العالمية في إحصائيتها الأخيرة لهذا العام 2009، فإن 6,767,805,208 نسمة وهو عدد سكان العالم الآن يستخدم منهم قرابة الـ1,668,870,408 شخص الإنترنت، أي بما نسبته 24,7% من العدد الإجمالي لسكان العالم، وهي نسبة عالية جداً آخذين في الاعتبار أن نصف العالم تقريباً يعيش في أمية سواء كانت مطلقة أو تقنية، هذا إضافة للفقر والجوع والمستوى المنخفض جداً لدخل الفرد في معظم دول العالم، وغيرها من الصعوبات والعقبات التي تواجه الإنسان على هذه الأرض المزدحمة بالأحزان والمنغصات، فضلاً عن البشر.

أما على الصعيد الوطني، فإن 28,686,633 نسمة وهو عدد سكان السعودية الآن طبقاً لتلك المنظمة العالمية الموثوقة، يستخدم 25,1% منهم الإنترنت، أي بما يُعادل 7,200,00 مستخدم، وهو رقم كبير إذا ما قارناه بـ200 ألف مستخدم فقط في عام 2000.

أعرف جيداً أن الجميع قد سئم من تلك المقدمة الطويلة، ومن كل تلك الأرقام الكبيرة، ويريد الإجابة الشافية عن ذلك السؤال المستفز «بكسر الفاء» كعنوان صارخ يعكس مدى التوجس الذي يُرافق المتلقي عن كل ما هو سعودي.

"أين يذهب السعوديون في فضاء الإنترنت؟"، سؤال كبير ومعقد ومُثير ولا طاقة لهذه المساحة الصغيرة لكي تُجيب عليه، ولكن لكل الجادين والمصممين على تتبع المتصفح السعودي أثناء تنقله في سماء الإنترنت أضع هذا الرابط المشهور علّه يُجيب، رغم أن الكثير قد بادر بالإجابة مبكراً بمجرد أن قرأ العنوان. وللعلم فإن هذا الرابط ينتمي لموقع "Alexa Internet" الذي اشتهر بتقديم المعلومات الموثوقة عن ترتيب المواقع التي يتردد عليها المتصفحون من كل دول العالم، وهو تابع لشبكة "أمازون" العالمية.

نورتي اختي الله يعيطك الف الف الف عافيه على الر دالجميل

تقبلي تحياتي